احصائيات المدونة

free counters

dimanche 4 décembre 2011

مؤسسة اكودار بين الثابت والمتحول سوس ماسة نمودجا

 تقريرحول زيارة ميدانية اكوار انومار  ( تاسيلا ادوسكا) سوس ماسة نمودجا
 بقلم: سعيد لطفي
 اشراف: الاستاذ امحمد مهدان

مقدمة:
ما هذا العمل إلا دراسة متواضعة تبحث في موضوع ضخم، وقد أبديت رغبة في إنجازه لأسباب ذاتية وموضوعية ، في هذا الصدد وفي إطار المشروع الذي أعلن عنه الدكتور "محمد مهدان" والمتمثل في وضع إطار مرجعي طلابي يتمثل القيام بتقارير ميدانية لبعض المناطق و المؤسسات التقليدية القروية من جهة سوس ماسة درعه، تأتي مساهمتي كطالب سوسيولوجي.
لقد قسمت هذا التقرير إلى تقديم عام وثلاث محاور وخاتمة عامة. وقد خصصت التقديم العام للتحدث عن الإشكالات التي تناولنها أثناء الزيارة الميدانية لمنطقة تاسيلا ادوسكا وفيما يتعلق بالمحور الأول فقد توقفت من خلاله على موضوع: أصل التسمية ومدلولها وإعطاء نبذة تاريخية عن اكودار انومار وكذا العناصر المحددة لاختيار المكان لبناء تلك المؤسسة ، وعلى ضوء هذا التوقف استكشفت الواقع الهندسي الخارجي والداخلي لاكودار من خلال القيام بجولة بداخله واستنطاق أنماطه المكانية وتوزيع الغرف بداخله ، قصد استكشاف بعض أسراره الداخلية بغية السعي نحو فهم وتفسير الخبايا التي تختزنها هذه المؤسسة ، أما بالنسبة للمحور الثاني فقد توقفت فيه على أبرز الأساليب و العناصر التي يتم بها تدبير وتسيير هذه المؤسسة في ارتباطها بالعلاقات الاجتماعية السائدة داخل مؤسسة اكودار،أما في ما يخص المحور الأخير فقد حاولت فيه الحديث الثابت و المتحول في المؤسسة .
وختمت التقرير بعرض لمجموعة من الاستنتاجات التي خرجت بها بعد دراستي لهذا الموضوع من أجل إعادة الاعتبار لمؤسسة اكو دار ودورها في التضامن الاجتماعي و العمل الجماعي في العلاقات الاجتماعية لمجتمع تاسيلا ادوسكا ودور هذه المؤسسة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية و السياحية بهذا الوسط القروي.
في البدء:
هذا التقرير هو حصيلة العمل الذي قمنا به ، حول مؤسسة اكودار إنومار, كمساهمة لنا إلى جانب باقي طلبة الفصل تحت إشراف الأستاذ محمد مهدان ,للتعريف بهذه المؤسسة نظرا للغنى الذي تتميز به كموروث ثقافي ، ونظرا كذلك للانعدام دراسات شاملة تغطي جل الجوانب لهذه المؤسسة سواء الاجتماعية،الاقتصادية،الهندسية و القانونية.
وقد استخدمنا في دراستنا هاته تقنية المقابلة والملاحظة, معتمدين في ذلك على الدرس السوسيولوجي والانثروبولوجي, بحثا عن الثابت و المتحول في طبيعة ووظائف هذه المؤسسة ، وبهدف استقراء حالها فلا مناص من المساءلة الميدانية من خلال نموذج اكودار انومار الذي يقدم فرصا ممكنة للفهم و التفسير.فالنزول إلى الميدان يقود أساسا إلى التقاط تفاصيل التفاصيل.
من خلال نموذج اكودار انومار بدوار أفيان بتاسيلا ادوسكا نحاول في هذا المستوى معرفة من هي مؤسسة اكودار ومعرفة كذالك كيف يتم تسيرها بالإضافة إلى رصد أهم الوظائف و الأدوار التي تلعبها هذه المؤسسة ، وكذا أهم التحولات التي بصمت مسار هذه المؤسسة من حيث الوظائف بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية داخل هذه المؤسسة.
فما الذي كانت عليه هذه المؤسسة سابقا ؟ وماهي الآليات التي يتم بها تدبير وتسيير المؤسسة ؟ وماهي التحولات التي عرفتها هذه المؤسسة حاليا ؟ وكيف يمكننا استثمار هذه المؤسسة في التنمية المحلية ؟
لكن قبل الانطلاق في تفكيك هذه الأسئلة يتوجب علينا في البدء أن نحسم في المفهوم، ليس من باب الترف الفكري، و إنما لضرورة منهجية صرفة، فما الذي نقصده تحديدا مؤسسة اكودار
المحور الأول: من تكون مؤسسة اكودار؟
1- تحديد مفهوم اكودار إنومار:
أ- مفهوم اكودار : يعتبر إكودار جمع كلمة أكادير ؛ وهي كلمة أمازيغية تدل على الحصن أوالمخزن الجماعي،وتنتشر اكودار في الجنوب الغربي للمغرب أي الأطلس الكبير الغربي و سهل سوس و الأطلس الصغير، ويحيل إكودار مفهوميا على كثير من الوظائف ، لكنه يظل أكثر إتصالا بحقل التخزين ،بحيث يطلق هذا المفهوم في الثقافة الامازيغية على الحصن أو المخزن الجماعي ، كما يطلق علية كذلك اسم "إغرم في الأطلس الكبير الأوسط و الشرقي و الأطلس المتوسط و الجنوب الشرقي من تازناخت إلى تافيلالت" .
يمكن أن نعطى تعريف إ جرائي لهذا المفهوم انطلاقا من التمثل الاجتماعي له من طرف ساكنة المنطقة: " أكادير تم إنشاءه لخزن الثروات من حبوب و وزيوت وغيرها ويلتجأ إليه في حالة الحرب و هو كذلك مكان لبعض الصناعات التقليدية كالحدادة و التعدين و الحلي ، كما توظف اكودار منزلا للمهاجرين أو التجار ،عموما هو ملكا جماعيا للقبيلة بأكملها " . فأكادير يتم تمثله من قبل آل المجتمع القروي على انه " تخزين الثروات من حبوب وزيوت بالإضافة لكونها مكانا أمينا يلجأ له في حفظ الحلي والمصوغات وكل ما خف وزنه وغلا ثمنه بعيدا عن متناول السرقة والضياع ".
ب-إنومار: جمع أنأمر كلمة أمازيغية تعني باللغة العربية مكان مشمس و ترتبط تسمية اكودار بمفهوم إنومار بعامل واحد: هو ارتباطه "بأشعة الشمس" وقد حاولنا البحث عن هذا الارتباط ، فغالبية العارفين القدامى بهذه المؤسسة لم يجدوا جوابا له ؟ وهناك من يرى أن هذا الارتباط بإنومار هو ارتباط طبيعي. كإستراتجية القبيلة آنذاك لحفظ ممتلكتها من التلف خصوصا المخزون الزراعي " لكي لا يتعرض لعنصر الرطوبة .لهذا تم بناء اكودار في مكان مشمس وبالتالي ما يسمح بحماية الحبوب لمدة تفوق 15 سنة بمعنى تكيف المجال مع ماهو الثقافي.
3- نبذة تاريخية حول اكودار إنومار:
يقع"إكودار إنومار"بمنطقة إدوسكا و التي تنتمي لمجال قبائل "إيلالن" بالأطلس الصغير الغربي.وينتمي إداريا لاقليم إشتوكة أيت بها،يحده شمالا كل من دوائر " أيت داود" و " talkardouste" وجنوبا دوار Ait ouaftine" ومن ناحية الشرق يحده "أيت مخلوف".ومن الناحية الغربية يوجد دوار "أيت يعقوب" و تعرف هذه المنطقة التي يتواجد بها إكودار انتشارا واسعا لأشجار الأركان وقلة المزروعات السقوية بسبب قلة وندرة المياه الجوفية.
ففي إحدى قبائل إيلالن بجماعة تسكدلت يتواجد "أكادير نتاسيلا إدوسكا". هذا الأخير يعتبره المؤرخين تم بناءه من طرف قبائل تاسيلا إدوسكا في القرن الثامن عشر الميلادي (سنة1721) وذلك من أجل حماية ممتلكاتهم و أموالهم وأنفسهم أثناء الأزمات ( المجاعة، القحط ...) عموما يمكن أن نقول أن إكودار تختزل ذاكرة سوس المنسية، والتي تؤرخ لزخم من التقاليد والعادات التي تؤشر على عراقة المنطقة وتجذرها في عمق التاريخ. وتكشف المعلومات التي يقدمها أكادير إنومار عن حضور قوي لثقافة العمل الجماعي خصوصا أثناء عملية تخزين المحصول الزراعي، حيث يتجند رجال القبيلة في هذه العملية ليشكلوا سلسلة بشرية تمتد تصاعديا فوق الدرج على امتداد علو البناية لتفريغ المحاصيل بهذه الغرف في انتظام محكم بعد أن تكون الغرف قد هُيئت بشكل دقيق .
3- العناصر المحددة لاختيار المكان:
انطلاقا من المعاينة الميدانية و المقابلة مع حارس اكودار (لامين محمد ماركو)* قصد المساءلة عن المحددات الأساسية التي أدت إلى لاختيار كذلك المكان ،خرجنا بمجموعة من العناصر يمكن اعتبارها محددات أساسية لبناء هذه المؤسسة العريقة في الزمن، في مستوى أول: نجد تم بناء اكودار على سفح الجبل بمواد محلية ؛ كالأحجار المستخرجة من الجبال ، الطين و كذا استعمال أغصان أشجار الأركان.
نجد المستوى الثاني: زراعة الشوك على جنبات سور اكودار، من اجل حمايته ، بالإضافة إلى محددات أخرى كعنصر التمويه. في المستوى الثالث: نلاحظ اختيار مكان مشمس و عالي يصعب الوصول إليه ؛ أما في المستوي الثالث: نجد اكودار يتواجد في مكان عالي و مشمس يصعب الوصول إليه.
ربما تبدو هذه العناصر بسيطة ومنطقية نظرا لمحدودية الإمكانيات التي تتوفر عليها القبيلة آنذاك أثناء بناء اكودار؛لكن باستعمال العين السوسيولوجية العلمية نجد هذه العناصر المحددة لبناء اكودار في مستوى العمق من التحليل تؤدي ادوار ووظائف عدة ومنها : وظيفة عسكرية تتجلى في بناء أكادير في مكان يصعب الوصول إليه ويسهل الدفاع عنه من جهة ، تمويه العدو بناء اكودار بالمواد المحلية المستخرجة من الجبال لكي تشبه مؤسسة اكودار الجبل يصعب رؤيتها من جهة أخرى.
أما في ما يخص اختيار مكان مشمس هو بمثابة إستراتجية منطقية نظرا لطبيعة المزروعات التي تختزن بالمؤسسة و هي الحبوب بالدرجة الأولى خوفا من تعرض تلك الحبوب لعنصر الرطوبة لهذا تم اختيار واجهة معرضة للشمس طيلة النهار.
يمكن القول بأن ثمة "دروس" عدة يمكن استخلاصها من هذه "التجربة الميدانية" يتصل أولها بدرجة كبيرة بمدى جدارة وذكاء سكان القبيلة في التعامل مع أزمات قد تصيب النسق القبلي سواء كانت اقتصادية ( المجاعة؛ القحط...)؛ وعسكرية ( صراع القبائل في ما بينها..).
أما الدرس الثاني الذي قادتنا إليه هذه التجربة هو أن في مجتمع الندرة يكون الثراء الثقافي ومنه نستنتج أن ثقافة مؤسسة إكودار بمثابة موقف من الحياة .
4- مؤسسة إكودار أية هندسة ؟
شكلت الهندسة المعمارية المتميزة لمؤسسة اكودار وطابعها كفضاء للتضامن و التلاحم الجماعي محور أبحاث رصينة بالمغرب نموذج( سلمى الناجي )، وقد انبهر بعض الباحثون على الخصوص بالسمات المعمارية ،وكذا بالطابع السوسيوثقافي لهذه المؤسسة.
سوف نعكف على الوصف الهندسي لهذه المؤسسة انطلاقا من واجهتين: الواجهة الخارجية ثم الواجهة الداخلية ودورها الدفاعي.
(أ‌) الهندسة الخارجية لاكودار : إن استعمال العين السوسيولوجية يتضح لنا بأن مؤسسة إكودار محاط بسور أولي طبيعي و شوك الصبار وهذا المعطى الطبيعي ذو وظيفة أمنية بالدرجة الأولى إذ يحمي المؤسسة من أي تدخل قد يصيبها ؛ثم يليه جدار ثاني سميك ذو شكل هندسي دفاعي على شكل مربع "تنتصب أبراجه الأربعة في كل زوايا السور الذي يمتد على 300 متر، ويبلغ علوه ثلاثة أمتار في مساحة تصل إلى نحو أكثر من 5400 متر طوله 82 مترا وعرضه 66 متر.... "(1).

هذا الشكل الهندسي يساعد على حماية ممتلكات القبيلة من أي أمر قد يصيبها من نهب و سلب، لذا نجد هذه المؤسسة تتوفر على باب أولي واحد يؤدي وظيفة تنظيمية وأمنية يتجلى ذلك في تسهيل و تنظيم كل العمليات التي لها علاقة بالمؤسسة من جهة و يساعد على رصد كل ما يجول بالمؤسسة خاصة أثناء عملية التخزين .
(ب)الهندسة الداخلية للمؤسسة: في ما يخص البنية الداخلية للمؤسسة نجد أنها اتخذت شكل تدريجي تبدأ بمسار (أكمي أو أسقيف) يتواجد في مجلس إنفلاس و مكان وضوءها و وجود مساحة خاصة للصلاة وبيت (لامين)،ثم يليه باب ثاني محكم يؤدي إلي قلب المؤسسة التي تتكون من خمسة أخماس في كل خمس يتكون من ثلاثة طبقات تسمى على التوالي: أكناري،الغرفة ،أزقي....؛بالإضافة إلى أحجار متشبثة بإحكام بجدار الأخماس وهي بمثابة سلالم للوصول إلى الغرف(خصوصا أكنار) المتواجدة في الأعلى." وتضم البنية الداخلية 295 غرفة كل واحدة منها يصل طولها إلى تسعة أمتار، فيما تبلغ مساحتها 15 مترا بعلو يصل إلى نحو متر و 30 سنتيمترا وعرض متر و 60 سنتيمترا" .

إذن البناية عبارة غرف كخلية النحل كل واحدة على شكل نافدة،ففي مستوى الداخل نجد كل غرفة مستقلة،باردة من الداخل توجد في احد أطرافها نافذة صغيرة للتهوية.
يمكن تقريب هذه المعطيات في عدة مستويات من التحليل؛على مستوى أولي نجد أن هذه البنية الداخلية للمؤسسة لها أكثر دلالة سياسية ،اقتصادية ، تتجلى في طريقة تصميمها مما يتضح لنا أن "المجال يعكس تصور المجتمع و العلاقات الاجتماعية للساكنة"وبالتالي الشكل الهندسي لمؤسسة إكودار يختزن ويعكس لنا ذاكرة قبائل إيلالن وبلغة العصر يمكن القول بأن اكودار" بنك ذو عقلية قبلية".
على مستوى ثاني ؛ نجد تدبير وتسيير شؤون المؤسسة من طرف جماعة انفلاس التي تتخذ (أسقيف) كمجلس لمناقشة أحوال المؤسسة بشكل خاص و النسق القبلي بصفة عامة.
في مستوى ثالث ؛ الشكل الهندسي يؤدي وظيفة اجتماعية تتجلى في العمل التشاركي بين أفراد القبيلة مثلا الحجارة المسطحة الشكل تبنى على طول علو البناية لاستعمالها كأدراج للصعود والهبوط يصعب تسلقها على غير أهلها وأصحابها و تستدعي بالضرورة وجود عمل جماعي مشترك خاصة أثناء التخزين،مما يحيل على أن العمل الجماعي داخل المؤسسة يعكس الإطار الذي يشكل النسق القبلي بشكل عام.

إذن البنية الداخلية لاكودار يمكن اعتبارها على الأقل من الأكثر البنيات تأكيدا لقوة وفعالية التدبير التشاوري و الجماعي.
المحور الثاني:مؤسسة اكودار و أساليب تدبيرها:
انطلاقا من المعاينة الميدانية لبنية مؤسسة اكودار تبادر إلي أذهاننا عدة أسئلة من بينها من يسير هذه المؤسسة ؟ و كيف يتم ذلك باعتبارها ذو بنية معقدة ؟
لن يكون الجواب إذا،كما في المحور السابقة إلا من خلال استثمار الشفاهي في المقابلة المفتوحة، ومن منطلق السؤال و التفكيك لجوانب مهمة من تفاصيل مؤسسة اكودار،فالسوسيولوجية معرفة مسكونة بالتفاصيل الدقيقة،التي تعبد الطريق نحو إنتاج المعنى.
لأكودار لجنة ، تنظم سيرها أعراف شفوية أو مكتوبة يعرفها الجميع و يحترمونها. ويشرف على تسييرها مجلس إنفلاس .كما يوظف شخص بأجر ليقوم بمهمة الحراسة الدائمة و يقيم بداخل أكادير ويفرض على الأسر المستفيدة تعيين فرد منها للحراسة بالتناوب لمدة يوم واحد تسمى بالأمازيغية(توالا).
(1)جماعة انفلاس و التدبير الجماعي:
تمثل جماعة انفلاس تنظيم سوسيوسياسي اعتمدها سكان تاسيلا ادوسكا من اجل تنظيم و السهر في تدبير اكودار من الناحية الاقتصادية و القانونية ، بمعنى مجلس انفلاس مثل القاعدة الأساسية التي يخول لها النظر في جميع مشاكل وتسيير اكودار،بحيث انيطت له كل القضايا التي تهم الجماعة :كتدبير المشترك من ماء وارض القبيلة كما تقرر عمليا في العلاقات مع القبائل المجاورة،إنها مؤسسة تنظيمية تؤطر العيش المشترك عبر تقنين طرق تسيير المؤسسة على مستوى الميكرو وعلى مستوى الماكرو.
إلي جانب جماعة انفلاس هناك ألواح المتضمن لأحكام التنظيم والتدبير عن طريق اعتماد أحكامه التي تتضمن نصوصا قديمة، تؤرخ لثقافة العمل التشاركي التضامني بين أفراد القبيلة وعلاقاتها التنظيمية، بدءا من مجلس إنفلاس إلى توزيع الأدوار، ولغة التدوين وسيطة بين العربية وبعض المصطلحات الامازيغية وهو ما يكشف بساطة ثقافة الساهرين على خطها، إذ عندما يجد كاتب اللوح صعوبة في إيجاد مرادف لكلمة أمازيغية بالعربية الفصحى فإنه لا يتردد في توظيف الكلمة الامازيغية.
بالإضافة كذلك إلي شخصية تدعى محليا ب: لامين ويسهر على تطبيق قوانين أكادير التي غالبا ما تكون متضمنة في ألواح قانونية يحتفظ بها مجلس إنفلاس الطاقم المسؤول على تدبير شؤون أكادير وتسيير أموره وينتخب هذا المجلس للنيابة على القبيلة في تسيير وتدبير أُمور وشؤون البناية ، ويعهد إلى إلي الأمين مهام الحراسة، وهو مقيم داخل مؤسسة اكودار و يفرض على الأسر المستفيدة تعيين فرد منها للقيام للحراسة بالتناوب لمدة يوم واحد «توالا » وتوكل للأمين الذي يوظف بأجر عيني من المحصول للإشراف على تنظيم عملية الدخول والخروج ابتداء طلوع الشمس الي وقت غروبها لتسهيل عملية المراقبة.
(2)- العلاقات الاجتماعية داخل المؤسسة:
كل مجتمع بشري لابد أن تطبعه علاقات اجتماعية ما ، لايمكن فصلها عن إطارها الاجتماعي والثقافي؛ ادن العلاقات الاجتماعية في عمقها هي بناء اجتماعي وتاريخي: والعلاقات الاجتماعية في اكودار انومار بدورها تطبعها طبيعة المجتمع الذي يتميز بالقرابة الدموية والإطار الجغرافي المشترك؛من الملاحظ أن هندسة مؤسسة اكودار خصوصا الهندسة الداخلية تعكس طبيعة العلاقات الاجتماعية المبنية أولا على التضامن و العمل الجماعي؛وهذا ما يتجلى بالخصوص في شكل الأحجار المتبثة قرب الغرف المخصصة للتخزين التي تبين أن إيصال المخزون إلي مكانه يتطلب عملا تشاركيا .
و المثير كذلك للانتباه في مجلس انفلاس المكلف بتدبير الشؤون الداخلية و الخارجية للمؤسسة هو استعماله لمجموعة من العقوبات في المتمرد على اكودار؛ مثلا (امزواك) أي اللص يتعاملون معه بعقوبة الطرد من آل المجتمع القروي ؛لكن هذه العقوبة تكمن شدتها في التصاق امزواك بشرف عائلته امزواك : مثلا (تروى ن امزواك.....) أي أبناء اللص،وبالتالي نادرا ما تجد لصا داخل المجتمع القروي الذي تتواجد به مؤسسة اكودار.
بالإضافة إلي هذا نجد منطقا أخر أكثر إنساني الذي يطبع العلاقات الاجتماعية ؛وهو وجود حقوق مثل حقوق المرأة و الطفل و الحيوان ؛وهذا الأخير له احترام خاص نظرا لدوره فمثلا القط الذي يؤدي وظيفة القضاء على الفئران لنظرا للنشاط الاقتصادي وطبيعة المخزون أي الحبوب وجزاء له يتم إعطاء مقدار خاص للأمين يسمى محيل ب:(أغنجا ن أومش).
بالإضافة إلي كل هذا هناك شخصية يهودية تتعايش مع انفلاس، وهذا يبين منطق التعايش بين أفراد القبيلة وبغض النظر عن ديانتهم ،بل أكثر من ذلك كان لهذه الشخصية اليهودية دور فعال في ربط أكادير انومار بمناطق أخرى ،على اعتبار اليهود آنذاك لديهم خبرة في أمور التجارة بالمنطق التقليدي .
المحور الثالث: الثابت والمتحول في مؤسسة اكودار.
ما التحولات التي عرفها المستوى الوظيفي لمؤسسة اكودار ؟ وما طبيعة هذه التحولات؟ وفي مقابل ذلك كله ماذا عن الثابت الذي حافظ على حضوره وقوته الرمزية؟
إن أسئلة كهذه تشكل الأرضية المحتملة لما يسعى به تقريرنا، كما أنها تشكل مداخل ممكنة لمساءلة الوظائف التي يختص بها اكودار انومار،مع التركيز بالأساس على ثنائية الثابت و المتحول التي تبصم الوظائف.
(1)- بحثا عن وظائف و ادوار المؤسسة :
يفترض بناء بدءا أن نقارب وظائف و أدوار المؤسسة ، فهده الأخيرة التي تعتبر الأهم في النسق الاجتماعي القبلي،صارت تفتقد يوميا كثيرا من وظائفها الأساسية ، بل أنها تبدو في بعض الأحيان وكأنها استحالت فقط إلي مجرد بناية عريقة في الزمان،وبالرغم من تقلص مجالاتها الوظيفية ، وذلك لصالح مؤسسات أخرى،فماذا عن هذه الوظائف؟
يمكن التمييز بين أربع مستويات من الوظائف على الأقل التي تؤديها المؤسسة،فهناك الوظيفة التخزينية (الأمن الغذائي) التي تتمثل في الحفاظ على ممتلكات آل المجتمع القروي على اعتبار اكودار وفي مختلف المناطق القروية الفائتة ، هي المؤسسة الوحيدة للتخزين القروي ، وهناك الوظيفة الاجتماعية المتمثلة في التعاضد و التلاحم القبلي،فإكودار يعد أهم مؤسسة للتربية على العمل الجماعي الذي يبصم النسق القبلي، فما يجري داخل مؤسسة اكودار من ممارسات وما يتفاعل في رحابها من قيم تعاونية ماهو إلا نموذج مصغر لما يجر ي في مجموع النسق القبلي.
ثم هناك الوظيفة الثالثة التي تقوم بها مؤسسة اكودار لفائدة أفرادها،فإكودار بشكل او بأخر تعد مؤسسة تشتغل بروح تامين الأمن الغذائي للمجتمع القروي تفاديا لأي أزمات طبيعية كانت أو إنسانية "أو ضرورة التخزين المواد المتوفرة في سنوات الخصب حتى يستعان بها في سنوات العجاف." .
إلي جانب الوظائف الثلاثة يمكن التنصيص على الوظيفة السياسية التي تقوم بها مؤسسة اكودار لفائدة المجتمع آل المجتمع القروي بحكم تواجد مجموعة انفلاس التي تنظم أعراف وقوانين المؤسسة،أي اكودار انومار ذو وظيفة قضائية و تحكمية تسيرها انفلاس التي كانت قادرة في أكثر القضايا إشكالية في الوصول إلي حلول ترضي النسق القبلي بمعنى أخر انفلاس تودي دور سياسي يتجلى في تدبير شؤون اكودار من حقوق و عقوبات وواجبات تجاه المؤسسة وكذا تجاه آل الدوار.
من هذا المدخل يمكن تحديد المطامح القصوى لدراستنا لإكودار؛ فالهدف المركزي لهذا الانهجاس السوسيولوجي يتحدد بامتياز في محاولة اكتشاف التحولات التي عرفتها الوظائف الأساسية لمؤسسة اكودار، ولإكتشاف مستويات الثبات و التغير في عمق الوظائف الممكنة لهذه المؤسسة.
(2) الوظائف بين التغير و الثبات
إن الحديث عن تغير وثبات وظائف اكودار انومار نتاسيلا ادوسكا، يقتضي منا منهجيا تأطيريا للموضوع في سياق التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، بحيث أصبح يتسم بتحولات عميقة، وذلك نتيجة الاختراق الثقافي والاقتصادي الذي يتعرض له، بالطبع هذا ناتج عن التطور الذي تشهده شبكة المعلوميات والفضائيات، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بعولمة الثقافة.
لهذا يمكن أن نميز اليوم بين "خمس سمات أساسية للمجتمع المغربي، وجود ديناميات داخلية للتحول بشكل قوي، المغرب يتجه هو الآخر نحو التمدن وظهور أنماط جديدة للعيش تخص مختلف الممارسات والسلوكات الاجتماعية وتغير ملحوظ في البنية الأسرية وبروز مساهمة المرأة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي".
إذن، ما يمكن قوله هو أن مرجعية القيم و العادات القروية نتاسيلا ادوسكا آخذة في التغير، ويبدو ذلك من خلال الزيارة الميدانية لمؤسسة اكودار أن الوظيفة التخزينية لإكودار تتعرض للتغير الراديكالي فالدواوير المشكلة لمنطقة تاسيلا ادوسكا تنحث لنفسها مسارا في الاتجاه نحو الانقطاع عن تخزين ممتلكتها في المؤسسة .
لتفسير هذا التراجع يمكن القول أن هناك عدة محددات طرأت على المجتمع القروي مثلا: يمكن القول بأن المسافة الفاصلة بين منطقة تاسيلا ادوسكا و أقرب مركز حضري هو احد العوامل المؤدية إلي التغير في وظائف اكودار،فدخول البنية التحية ؛ كالكهرباء و الماء المشروب دفع أهل الدوار عدم الاهتمام باكودار وهذا ما غير من طابعها وثقافتها.
ومن المحددات كذلك الكامنة وراء التغير هو وجود بعض الأسر بالدول الأوربية ، أو عمل احد أفراد العائلة بالمدينة وكذا دراستهم بالمجال الحضري،مما يؤدي إلي نقلهم لثقافاتهم و بعض العادات إلي منطقة تاسيلا ادوسكا.
أما الوظيفة التحكيمية والقضائية (جماعة انفلاس) للمؤسسة آخذة في الانمحاء؛حيث تم تكسير هذه البنية التقليدية عبر استحداث مؤسسات بديلة واعتماد الجماعة المحلية ذات صبغة إدارية لصناع القرار في المجتمع القروي.
أما الوظيفة الاجتماعية بدورها آخذة في التراجع وبشكل جذري وهذا ما اتضح لنا من خلال بعض المقابلات مع سكان المنطقة ،يمكن تفسير هذا التراجع بتلك السمات الأساسية التي تميز المجتمع المغربي، وهي وجود ديناميات داخلية للتحول بشكل قوي، العالم القروي يتجه هو الآخر نحو التمدن وظهور أنماط جديدة للعيش تخص مختلف الممارسات والسلوكات الاجتماعية وتغير ملحوظ في البنية الأسرية وبروز مساهمة المرأة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي
لهذا يفترض بنا أن نتساءل،وعلى سبيل الختم المؤقت طبعا،إلي متى ستصمد مؤسسة اكودار انومار؟ وإلي متى ستحافظ على ما تبقى من وظائفها واختصاصاتها في ظل هذه التحولات التي يعرفها عالم اليوم؟
خاتمة :
إن الاستطراد في الحديث عن مؤسسة المخزن ( اكودار ) بشكل عام، لهو موضوع في حد ذاته يحتاج إلى كثير من البحث والتنقيب، لما يشكله حقيقة كمادة خامة توفر معطيات عديدة ، خاصة أنها مرتبطة بعقلية اجتماعية قبلية ، سكنت لفترة سابقة المجتمع المغربي ــ وان كان إلى الآن ــ في مجموع مراحل حياته، وكظلك من جهة أن هذه المؤسسة تعكس التفاعلات والتحولات الاجتماعية، والتي بمقدور باحث اجتماعي أن يبني عليه تصورات ورؤى تحليلية تلامس الجانب الاجتماعي. مقارنة مع كل هذا اعتقد على أن زيارتنا لهذا المخزن، كشفت لنا عن قرب واقع الميدان، وما يحمله من معرفة بعيدا عن كراسي الجامعة....
بقي إلى أن نشير إلى الحالة التي تعيشه ًاكودارً الآن من واقع لا يمكن أن نخفيه على احد، تكرس في الجدران المتآكلة ، والقريبة للانهيار، في غياب أي أدنى تحرك للترميم، وتحمل المسؤولية من قبل الجهات المعنية . فنحن لسنا مضطرين لذكر أهمية هذا المخزن في تثمين التراث الثقافي، وحفظ تاريخ هذه المنطقة، ولنا أن نشير إلى مساهمة هذه المؤسسة في حد ذاتها في إحداث مشاريع مهمة همت بالأساس فك العزلة على المنطقة.
ان مؤسسة " أكودار " وما طابعها من تراث حي للمنطقة قد يساهم في تنمية المنطقة، وذلك من خلال فك العزلة عنها ( الطرق ، الكهرباء ...) ثم الوفود العلمية الهامة التي زارتها، وكذا إسهامه في إنعاش المنطقة اقتصاديا من خلال السياحة التضامنية وكذا الإشعاع العلمي.
أن أكثر ما تحتاجه هذه المؤسسة هو الرجوع إليها قصد إصلاحها من خلال المبادرة من لدن الفاعلين وتحمل المسوولية عن طريق ترميمها وإعطائها صور ثقافية. فقد بدلت بعض المجهودات من طرف مجموعة من الجهات مثل جمعية تويزي باشتوكة ايت باها وكذا عقد بعض الندوات العلمية حول هذا الموروث الثقافي، إذ نضمت ندوة علمية حول الموضوع في مدينة تارودانت . إضافة إلى ذلك نجد بعض الباحثين اهتموا بهذا التراث وعلى سبيل الذكر سليمة الناجي " التي أنجزت بحث حول اكودار.
هي إذن بعض المبادرات التي سعت إلى إعادة الاعتبار لهذا الثرات الثقافي الجميل. غير أنها لا تكفي، فالمطلوب هو المزيد من المجهودات خاصة من طرف وزارة الثقافة اليونسكو، الجماعات المحلية، الجمعيات، فإذا كانت المؤسسة قد لعبت ادوار ووظائف مختلفة وشكلت هوية المجتمع المحلي وكانت تحميه من الغزاة وفترات الجفاف ... فلما لا تلعب اليوم دورا تنمويا يساهم في النهوض بالمنطقة ؟ فإذا كان الأجداد قد أبدعوا وفننوا في الشكل والهندسة حتى اخرجوا هذه المعلمة التاريخية إلى الوجود، فهل يرعاها الأحفاد ويردوا إليها الاعتبار ؟؟.
أتمنى أن أكون قد تطرقت في هذا التقرير إلى جوانب هامة، والتي تفاعلت حقيقة معها في الزيارة الميدانية، كما نذكر بأنه مازالت أمور هامة يمكن أن تشكل تيمة أساسية لأبحاث علمية وازنة ؟
اهم المراجع المعتمدة:
1- مقابلة باللغة الامازيغية مع امرأة 58 سنة مقيمة بمنطقة تاسيلا ادوسكا .
2- خالد ألعيوض،إكودار تثمين التراث الثقافي،ضمن عرض قدم في رحاب كلية الآداب و العلوم الإنسانية لفائدة طلبة علم الاجتماع القروي والتنمية،/7/12/ 2010.
3- خالد ألعيوض،إكودار تثمين التراث الثقافي،ضمن عرض في ندوة دولية،افتتحت أشغالها بتارودانت بمشاركة خبراء مغاربة و أجانب،شتنبر 2010.
4- مقابلة مع محمد ماركو؛ أخير حارس مؤسسة اكودار مقيم بالمنطقة منذ الازدياد.









1 التعليقات:

Agadir Inoumar et la zone d Idouska en general souffre des intermediaires et des intrants qui parle du patrimoine des ayant droit sans les consulter.Il y a beaucoup de choses à dire.
ghandourhistory@hotmail.com

Enregistrer un commentaire

لا تقرأ وترحل بل أترك بصمتك لتضيء الموضوع

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More